ملك الكاشف عابرة جنسيا تخوض معركة على عدة جبهات

تركت ملك الكاشف المنزل في يوم ميلادها قبل سبع سنوات ماضية إلى مستقبل غير مضمون، لم تكن ترتدي ما يتناسب مع الجو واضعة القليل من المكياج، والقليل من الاكسسوارات النسائية و50 جنيه مصري.

تقول ملك “كنت خائفة لكني لم أتردد. لم يكن أمامي أي خيارات أخرى”.
ومنذ ذلك الحين برزت ملك كأشهر ناشطة عابرة جنسيا في مصر. تقول ” عندما تُعلني انكِ مختلفة، عليكِ أن تستعدي لخوض حرب كبيرة. سوف يدوس عليك المجتمع ويعاملك وكأنكِ العدو”.

فقضية العبور الجنسي هي وصمة تعني في دولة أبوية خوض حرب على عدة جبهات. لقد تم نبذ ملك من قبل عائلتها وازدُريت من قبل الكثيرين ممن اتهموها بأنها تعبث في “خلق الله”، وتم الهجوم عليها بسبب نشاطها في حقوق “مجتمع الميم عين” وأُعتقلت ومُنعت من حقها القانوني في تغيير بطاقتها إلى الآن لازالت تجبر على حمل بطاقة بهوية ذكر.


لم يردعها أي من هذا عن الدفاع علنا عن حقوق العابرين والعابرات. فقد ظهرت في برنامج تليفزيوني وعلى صفحتها على الفيسبوك، تقوم بحملات من أجل العابرات والعابرين، وتؤرخ يوميات عبورها الجنسي. وتشجب رهاب المثلية، والتحرش الجنسي، التنمر والأبوية.

تقول ملك ” لو أردت الاختباء، كنت جلست في منزل والدي ولم أقم بالعبور وأرحت نفسي من كل هذا. لكن هذه، ليست ملك، ملك إنسانة أخرى”.

العبور الجنسي بشكل رسمي في مصر يعتبر عملية معقدة تتضمن تحاليل طبية، وعلاجا نفسيا لعامين وموافقة من أخصائي طبي ومن السلطات الدينية. ورغم ذلك فنجاحه غير مضمون.
تقول ملك أنها لم تتسلم إجابة عن حالتها تم تشخيصها ” باضطراب في الهوية الجنسية”. رغم تغيير المصطلح في الدليل التشخيصي لجمعية الطب النفسي الأمريكية إلى ” اضطراب النوع الاجتماعي”- وهو الانفصال بين الجنس المعين عند الولادة والجندر الذي يعرف به الشخص نفسه، الشيء الذي يؤدي إلى ألم كبير.

كانت الموافقة على عملية العبور الجنسي ستسمح لملك بإجراء الجراحة في مستشفى عمومي، ممهدة الطريق لتغيير بطاقتها لكن ذلك لم يحدث. وتجادل ملك بأنه على القرار أن يكون طبيا تماما. وتسأل “عندما تمرض، هل تذهب لزيارة طبيب أو شيخ؟ طبيب” “إلى أين تذهب امرأة ستلد، هل تذهب إلى المستشفى أو المسجد ؟ ستذهب أكيد إلى المستشفى”.

نشأت ملك في عائلة متدينة، حيث حفظت أجزاءً من القرآن. وفي منزل كانت تسوده الأفكار الذكورية التي تميز بين “الرجل والمرأة ” وهو ما يجعل الصبي يتمتع بحرية أكبر من شقيقاته وفتيات الحي.
لم تهتم ملك بتلك الإمتيازات أمام حقيقة كينونتها، التي وصفتها بمرحلة “صراعي مع المرآة”. السنوات التي كانت تسأل فيها نفسها من أنا؟ إن كنت فتى فلماذا أشعر بهذه الطريقة؟ وإن كنت فتاة فلماذا أبدو هكذا ؟”.
تقول ملك “كانت هذه الفترة الأصعب، أصعب حتى من مواجهة المجتمع، أصعب من السجن. كانت معركة كبيرة لا يستطيع أحد أن يحميني منها” . ومع تفاقم معضلتها، لم تجد المفردات الكافية لشرح وضعها، لكن كل هذا سيتغير بعد أن وصفت شقيقتُها بغضب ممثلة في فيلم كانوا يشاهدونه بأنها “متحولة جنسيا” وكانت تقصد الممثلة المصرية العابرة جنسيا حنان الطويل، من هنا ستبدأ رحلة ملك في البحث واستكشاف حقيقتها.

في سن التاسعة قررت مواجهة عائلتها بحقيقة هويتها، كانت تجلس مع صديقاتها على سُلم المنزل، تَحيك فساتين للعرائس، وقررت أن تذهب لوالدتها وتعلن حقيقتها بالقول “أنا بنت مش ولد”. قامت أمها بإبعادها نحو غرفتها، وعندما وصل والدها انهال عليها بالضرب. ماحدث بعدها وصفته ملك بالفترة الأسوأ.

عاشت في هذه الفترة حياة محفوفة بالمخاطر اضطرت لمجاراتهم، لكنها في السر جربت المكياج وتأسيس هويات مزيفة على الإنترنت. وفي عيد ميلادها تلقت إنذار نهائيا اتبعي التعليمات أو اتركي المنزل قالت ملك “اخترت الخيار الأصعب”. كانت تنام أحيانا في الحدائق طوال الليل.
اضطرت للعمل رغم سنها الصغير من أجل الحصول على المال، قامت بكنس الشعر من على الأرض في صالونات التجميل أو مسح الدرج.

إن معارك ملك محفورة على جسدها الرفيع. تظهر عدة ندوب من تحت لباسها العلوي نتيجة لرميها لنفسها من الطابق الخامس. وأخرى على ذراعها لتقطيعها لعروق يدها بسكين لمرات أكثر من أن تعدها. وهناك الجروح الغير المرئية التي تؤرخ لحياة من المشقة والتحدي. تتذكر ذلك اليوم الذي خرجت فيه مرتدية باروكة سوداء وحذاءً ورديا. تقول إن والدها وشقيقها وجداها وقطعا ملابسها عن جسدها بعنف بينما كانا يضعاها في السيارة لأخذها للمنزل.

Malak el-Kashif smokes a cigarette in the balcony of her apartment in Cairo, Egypt. (AP Photo/Nariman El-Mofty
AP Photo/ Nariman El-Mofty

في لحظة مصالحة قامت ملك بوضع صورة لجوارب فضية وساعة وردية على الفيسبوك، وكتبت ” أحضرت إلي أمي هذه وقالت أنها شعرت وكأنها ولدتني من جديد، أنا سعيدة جدا، بل أسعد إنسانة على وجه الأرض”. لا تزال رغم ذلك علاقتهن معقدة مابين الصعود والهبوط.

تُبرز ملك روايتها لأحداث الحياة المؤلمة بالنكات والتعليقات الساخرة. وتدخن بشراهة بينما تتحدث، تتململ أو تلعب بشعرها – الذي قامت بصبغه أحمر مع حمرة شفاه مقاربة للتطابق.

تقول مُزن حسن، ناشطة نسوية بارزة وصديقة لملك الكاشف ” أنها مصدومة لأن هذا ما يحدث عندما تقوم بالإطاحة بالمعابد. هؤلاء الأشخاص،الذين تمثلهمن ملك، يعانون أنواعا متعددة من العنف والإقصاء “.

وفي وصف شجاعة ملك يقول رضى الدنبوقي ، رئيس مركز المرأة للإرشاد والتوعية القانونية، ” معظم العابرين والعابرات هنا يفضلون البقاء صامتين لكي يستطيعوا الحصول على النزر القليل من حقوقهمن. لأنهم لا يريدون التصادم مع سلطة القمع إضافة لما يحدث لهمن من طرف مع عوائلهمن. لكن ملك صدمت الأبوية”.

يمتد نشاط ملك لأبعد من النضال من أجل حقوق مجتمع الميم عين نحو النضال السياسي إذ تم اعتقالها العام الماضي بعد أن دعت للتظاهر على خلفية حادث قطار محطة مصر المميت بسبب ما رأت أنه إهمال حكومي. وسجنت بعدها في سجن الرجال. أثار اعتقالها، الثالث، الاحتجاج حيث خاف الناشطون والناشطات والجمعيات الحقوقية على سلامتها، خصوصا بسبب هويتها الجندرية.
قالت مزن حسن أن الضغط تواصل على السلطات المصرية في ذلك الوقت لعزلها عن السجناء الرجال وتجنيبها لعنف محتمل.

قضت ملك بعد ذلك وقتا طويلا في السجن الإنفرادي.
وبعد إطلاق سراحها، واصلت ملك نشاطها ورفعت قضية ضد وزراة الداخلية تطالب فيها بتخصيص أماكن اعتقال للعابرين والعابرات جنسيا في السجون ومراكز الشرطة.

الآن، تعيش ملك في شقة قليلة الأثاث. إحدى الرسومات في غرفتها تُظهر ساقين عاريتين، إحداها مقيدة بكرة حديدة . وملاحظة ملصقة على المرآة مكتوب عليها تذكير محبط “اقلعي عن الكيمياء، وإلا ستفعل بكِ ما فعلته سابقا” في إشارة إلى سوء استخدم مضادات الاكتئاب.

لا تزال الحياة اليومية صعبة بالنسبة لها. أثناء ذهابها لموعد إلى البنك قال لها الموظف أنه مضطر إلى استدعاء الشرطة لتشهد عملية التحويلات لأن بطاقتها تُظهر “فتى مراهق” فالنظام لايزال يمنعها إلى اليوم من تغيير بطاقتها نحو هويتها الجندرية.

قبل عيد ميلادها العام الماضي بقليل نشرت ملك صورة لها على الانترنت أرفقتها بتعليق يزف خبر أنها أنهت عمليات العبور الجنسي: “اليوم هو اليوم الذي هزمتُ فيه المجتمع. من هذا اليوم فصاعدا، هناك ملك فقط”. تلقت بعدها آلاف الرسائل بعضها يحمل التهنئة والبعض الآخر ينضح بالإهانة والكراهية. ترواحت بين ” أدعو الله ليشفيك” أو “لقد ضعتي في الحياة الدنيا والآخرة” إلى ” لو كنتِ ابنتي فسأحرقك” لكن معارك ملك جعلتها تشعر بأنها صنعت فارقا كبيرا. اقتربت منها أم في مستشفى وقالت أنها بحثت عن مساعدة طبية لابنتها بعد سماعها بقصة ملك. وفي مرة أخرى، أوقفها رجل عابر ليقول ” بالنسبة لي، أنتِ مقاومة”.

AP Photo/ Nariman El-Mofty

بقلم ماجي مايكل، وميريام فام


ترجمة وفاء

المصدر

أضف تعليق