لماذا أحتاج أن أناضل كنسوية

أحيانًا أشعر أنني كائن هش وصغير يميل للرطوبة والدفء ولايريد أي شيء سوى أن يحظى بحياة هادئة ينعم فيها بما افتقر إليه كل حياته، لمَ سأحارب العائلة إذا كنتُ أستطيع الاستعانة بهم للوصول لحياة أفضل؟ هل لو وقفتُ طويلًا وصنعتُ مشهدًا في كل مرة يخبرني أخي أن أغطّي وجهي وقلتُ له أنني لستُ عورة، وأنّ أيًا كان ماخلق وجهي فهو خلقه لسببٍ ما سأكون إنسانًا أفضل عما لو التزمتُ الصمت لأنّ أخي هذا هو المسؤول عن إيصالي كل يوم لأنّ حديثي قد يعيق وصولي لوجهاتي المحددة؟ هل الصراع مع القبيلة ورفض أنماطها التي تصبح مهينة كل يوم بحدة أكبر مما يستدعي الانعزال وعدم تغيير أي شيء على الإطلاق أهم من التصالح مع سوءها وبدائيتها ومحاولة تغيير شيء واحد حقيقي وملموس في واقعي ومن ثم واقعها؟

ولمَ قد يكون النظام الأبوي هو عدوّي الأول مادمتُ أعاني تحت وطأة هذا النظام العالمي الذي يسير فوقي كل يوم ويدهسني بأقدامه الضخمة، المال والسُّلطة، ثم يلقي بأحلامي كل يومٍ أبعد؟

بسلاسة أستطيع الانسياب بين ثقوب هذا العالم الصلب وأن أجد لنفسي مكانًا صغيرًا فيه، عبر الاحتيال على النظام الأبوي، مجاملته أحيانًا، والتنازل له أحيانًا أخرى، أن أنجو بشكلٍ ما، لكن بأي شيءٍ سأنجو؟
حياة لا أظل عاجزة فيها أمام واقعي تمامًا، وربما أشياء صغيرة ستتغيّر هنا وهناك، ولكن بأي أي سأضحّي؟ بأن أتصنّع وأتزلّف وأعيش بذاتٍ غير حقيقية، هذا بالإضافة إلى وقوفي أمام سؤالٍ كبير، ما الذي سأتركه حقًا للفتاة التي ستأتي بعدي بنفس الموقع الجغرافي، الاقتصادي والاجتماعي؟ طريقًا معوجًا، مليئًا بالترقيعات والمداهنات المهينة التي يجب أن تقدمها لنيل رضا النظام الأبوي حتى تصل لما وصلن له النساء الناجحات تحت مظلته، لكن ماذا لو لم تكن قادرة على الانسياب بين الثقوب بنفس الحرفية التي فعلتُها أنا بها ما الذي ستصبح عليه؟

ستُصبح ما أنا عليه الآن إلى الأبد، مُهمَلة تمامًا من النظام العالمي، عاجزة عن تركيب صورتها علاوةً على أن تُمنح حق شرحها وتفسيرها، لاتملك حق تقرير مصيرها أو حتى الأدوات اللازمة لمداواة جروحها، لاقيمة أصيلة لها سوى تلك التي سيختار النظام الأبوي وضعها داخلها والذي قد يختار ببساطة أنه لاقيمة لها لأسباب أتفه من أن يكون لها أي معنى، وهذا ليس حتى بقدر سوء أن تصدّق هي مايقوله أي شيء عن قيمتها، وتؤمن في داخلها أنها بلا قيمة.

كل هذا قد يحدث ببساطة وهي مواطنة صالحة تمشي بمحاذاة الحائط وتُطعم القطط في طريقها، لكن إلى أي حد قد يسوء الأمر لو أنها كانت بمحض الصدفة امرأة لادينية، مثلية، أو حتى أقل بكثير من هذا، مثل أن تُؤمن بحكم ديني أقل رواجًا من آخر، أن تختار أن تجهض جنين ليست مستعدة لاستقباله، أن تخرج لاحتساء القهوة مع حبيبها، أسباب أقوى هنا وأسباب أضعف هناك، لايمكن التنبؤ بما يمكن أن يحدده هذا النظام، اخرجي عمّا يحدده حسب موقعك وأخبريني أي شيء يتبقى من حياتك بعدها؟

لذلك أنا هنا لأقوم بتذكيري في اليوم العالمي للمرأة بحقي الأصيل في الغضب، أنا يجب أن أحارب كل شيء، ليس نظامًا واحدًا ولا جهة واحدة، أن أناضل ضد كل الجهات والأنظمة بل وكل تفصيل صغير غير منصف شكّل عائقًا في طريقي لعيش الحياة التي أريدها، أن أخوض كل المعارك دفعة واحدة، وعلى حدٍ سواء أصارع كل شيء حتى “دبّان وشّي”.


مريم العباس

2 comments

أضف تعليق