المعرفات المجهولة كقوة نسوية


حركة قوية وغير مسبوقة من النشاط النسوي تجتاح الشرق الأوسط وشمال أفريقيا عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وعلى وجه الخصوص تويتر. الكثير من حسابات تويتر الناشطة في المجال النسوي تتخفّى وراء قناع المجهول.

تخفي المستخدمات أنفسهن وراء معرّفات وهمية وصور تعريفية تواري وجوههن وهويّاتهن الحقيقية. كثير من هؤلاء الناشطات هنّ نساء يمنيات وسعوديات يستخدمن منصة تويتر للتعبير عن سخطهنّ على الأنظمة التي تؤسّس لوضعهن كمواطنات من الدرجة الثانية مقارنة بالرجال.

يعمل تويتر، أيضا، كأداة يدعمن من خلالها حقوق المرأة ويناهضن الأنظمة الأبوية في كل مكان. توجّه الناشطات انتباه آلاف المتابعات ويقدمن الدعم لهن، حتى أنهن ساعدن الكثيرات لتجاوز ظروف شخصية صعبة. تُجبَر معظم هؤلاء الناشطات على إخفاء هويّاتهن عن عائلاتهن والسلطات والمجتمع، في ظل وجود تداعيات جادة لكشف هوية أي منهن تصل إلى حد تهديد حياتها. مؤخرا، قامت الإدارة العامة لمكافحة التطرف السعودية، بتوجيه من الأمن العام السعودي، بتصنيف الفكر النسوي كأيديولوجية متطرفة. (تراجعت السعودية عن تجريم الفكر النسوي خلال مدة قصيرة من إعلانه بتأثير انتقادات من المجتمع الدولي، وتبرأت من الفيديو الذي أعلن ذلك وتم التحقيق مع معدّيه* ).

من وراء الشاشات تسخّر هؤلاء النساء حساباتهن المجهولة للفت الانتباه العام إلى أوضاعهن الصعبة في ظل أنظمة أبوية قائمة على أيديولوجيات متحيّزة جندريًا. تقوم الناشطات النسويات كذلك بتعبئة الرأي العام لدعم ضحايا العنف المنزلي والقتل العائلي (جرائم اللاشرف)، اللواتي كنّ لينتهين مدفونات -حرفيا ومجازيا- ومنسيّات. غالبا ما تحرّف قصص ضحايا العنف المنزلي وجرائم القتل العائلي، أو تُخفى تماما مع هوياتهن لمصلحة المعتدين الذكور، الذي يقدّمون بصورة الضحايا ليحصلوا على التعاطف (Himpathy أو التعاطف مع الذكور، مصطلح وضعته كيت مان – بروفيسورة في الفلسفة)

كثير من الوسوم تحوّلت إلى موضوعات رائجة بفضل جهود الناشطات الجسورات. على سبيل المثال: بعد جريمة قتل الشابة الفلسطينية إسراء غريب (لا يذكر المقال اسمها ولكننا نذكره ليتذكّر الجميع) على أيدي أقاربها الذكور العام الفائت، أغرق سيل من المنشورات الوسم الذي يحمل اسمها بقصتها وصورتها، بل وحتى صور قاتليها. تحدّت الناشطات قوىً أرادت طمس الحقيقة وتبرئة القتلة بإلقاء اللوم على الضحية.

في وقت أقرب تعرّضت امرأة سعودية سوداء للحبس على خلفية تأديتها أغنية راب عن مدينتها “مكة”. تصدّر وسم “ساعدوا أصايل البيشي” في تحدٍ سافر للهجوم المتحيّز جندريا وعرقيا الذي تعرضت له أصايل، وفي محاولة لتعرية السياسات الحكومية مزدوجة المعايير. وعندما تعرّضت كويتية محامية وناشطة في مجال حقوق المرأة للإهانة من مضيفها المتحيّز جندريا على الهواء، حصلت على دعم هؤلاء الناشطات اللواتي أدبنّ المضيف لتصرفه المسيء وغير اللائق. والأمثلة أكثر من أن تعدّ.

اختفت نساء كثيرات من دون أثر ومن دون تحرّك حقيقي من جانب السلطات والقوى الأمنية المسؤولة، وكان للناشطات دور كبير في توجيه انتباه الرأي العام للمطالبة بالعدالة لهن. تقوم الناشطات النسويات باستمرار بفضح المغتصبين والمتحرشين والمسيئين والمعنّفين عندما تقوم الحكومات بحمايتهم وترفض اتخاذ إجراءات ضدهم.

في مجتمعنا، هؤلاء النسويات المتخفيّات هن أول من يستجيب. وفي معظم الحالات هنّ الأمل الوحيد لضحايا العنف الممنهج الذي يتخذ شكل دائرة تبدأ من العائلة إلى المجتمع ثم إلى الدولة، لتعود إلى العائلة نفسها. بالنسبة إلى معظم النساء، هي دائرة مغلقة لا مهرب منها. حوّلت النسويات المجهولات حادثة عنف منزلي إلى فضيحة علنية، دافعات بذلك تركيز المجتمع إلى العنف الذي تواجهه النساء بشكل يومي وإلى فشل الأنظمة في حمايتهنّ. والأهم من ذلك هو تحملهنّ مسؤولية درء الأكاذيب البشعة التي تحيط بقضايا النساء، الاستراتيجية الرخيصة التي يستخدمها كارهي المرأة لتبرئة المعتدي وشيطنة الضحية.

لا تجد الناشطات المجهولات حرجًا في نقد الحكومات والسلطات والظلم الذي توقعه على النساء والفتيات، ويعبرن بصراحة ووضوح عن استيائهن من الأنظمة القانونية التي تقمع النساء. في السعودية -كمثال فقط كون القضايا التي تتبنّاها هؤلاء الناشطات منتشرة في الشرق الأوسط- تقف القوانين غالبا في صف المعنّف ضد المرأة ضحية العنف المنزلي. للمعنّف الحق فعليًا في تعنيف النساء والفتيات داخل منزله، وتجرّم كل من تتجرأ على تخطي الحدود والإبلاغ عن العنف الذي تتعرض له. الإجراءات المتخذة -إن وجدت- لا تتعدى مطالبة الجاني بتوقيع ورقة يقرّ فيها أنه لن يكرر إساءته، وتُعاد إليه الضحية أو تُرسل إلى واحدة من المؤسسات المسماة “دور رعاية الفتيات”. معلومات قليلة كانت متوفرة عن “دور رعاية الفتيات”، حتى قامت إحدى الناشطات النسويات مؤخرا بنشر مقاطع تتحدث فيها عن الإساءات والعنف الذي تتعرض له النساء والفتيات داخل هذه المؤسسات. الفتاة التي تحاول الهرب من العائلة المسيئة يحقّ لأقربائها الذكور الإبلاغ عنها لتطاردها السلطات كما لو كانت مجرمة هاربة من العدالة.

مرة أخرى في السعودية كمثال، يعامل القانون النساء كقاصرات ويمنح الذكور الوصاية على قريباتهم الإناث بغض النظر عن السياسات الحديثة في البلد.

باستخدام وسيلتهن الوحيدة للاعتراض والمواجهة، تنشئ هذه القوى المجهولة الوسوم التي تطالب بإسقاط القوانين الأبوية، ويقمن بمناهضة التحيّز الجندري وكراهية النساء التي يعايشنها بشكل يومي. في وقت كتابة هذا المقال، أنشئ وسم جديد ضد مستخدمي تويتر المتحيزين جندريا، إضافة إلى حملة ظهرت كاستجابة لتدخلات الرجال في نمط حياة النساء وخياراتهن. دعت الحملة الساخرة الرجال إلى إطلاق لحاهم، بنبرة استعلائية تشبه تلك التي يستخدمها الرجال أنفسهم.

مواقع التواصل الاجتماعي ليست مجرد متنفس للناشطات المجهولات يعبّرن فيه عن إحباطاتهن الشخصية إزاء عائلاتهن ومجتمعاتهن وحكومات بلادهن المسيئة والقمعية. لكن الناشطات يقمن أيضا بتوعية المجتمعات الافتراضية عن جهود وتضحيات الناشطات الأخريات اللاتي تعرضن للمقاضاة ولتشويه سمعتهن بواسطة معارضيهن الذكوريين والوطنيين. إنهن في حرب دائمة مع حشود الذكوريين الذين يستميتون لإخراسهن بتشويه مصداقيتهن أو تعييرهن. إنهن قوى الدفاع عن العزّل، ومناصرات للضحايا التي يحاول المعتدون عليهن -غالبا عائلاتهن- دفن أجسادهن وذكراهنّ. وعندما تُستهدف امرأة من قبل كارهي النساء الذين يحاولون “إبقاء النساء في مستواهن”، تهبّ هؤلاء المجهولات للعون.

تبذل الناشطات النسويات المجهولات جهدا هائلا وأساسيا. وبرغم أن الحركة ليست حتى قريبة من تحقيق أي من مطالبها الأساسية بالمساواة والعدالة، فإنها دفعت بالحركة النسوية إلى مستويات جديدة. ورغم كونهن مستهدفات من قبل كتّاب وشخصيات عامة وحتى من السلطات، فإن مصطلحات النسوية والمساواة الجندرية التي لم تكن مفاهيم مألوفة قد أصبحت الموضوع السائد للنقاش. والفضل في ذلك للناشطات النسويات المجهولات في مواقع التواصل الاجتماعي.


هبة بخاري

ترجمة كوثر عزة


المصدر

*المترجمة

2 comments

أضف تعليق