عن اسرّتنا الضيقة

في كل المرات التي تكوّرنا فيها على أسرّتنا وأغرقناها بالدموع وأبحرنا فيها. وفي كل المرات التي لزِمنا فيها الصمت مع رغبتنا الملِحة بالصراخ والهرب والتمرد على كل ما يُمارَس علينا كنساء. في كل الأحلام المُخبأة على الأرفف البعيدة حتى لايُحكم عليها بالموت لأننا كائنات ليس من حقها حتى أن تحلُم. وفي كل الضحكات العالية والرقصات العفوية، وكل الرحلات والصداقات، وفي كل ممارسات الحياة التي حُرمنا منها فقط لأننا فتيات وأُلقي على عاتقنا شرف العائلة والقبيلة، بل وربما شرف البشرية جمعاء.

قد يظن البعض أن في الأمر مبالغة عظيمة، لكنها الحقيقة! فجميعنا كفتيات نولد وبدل أن تُحاط أسرّتنا بالهدايا والألعاب والدببة الناعمة المحشوة، إلا أنها تكون مستقر لشرف وسمعة العائلة. نكبر وتكبر معنا هذه المسؤولية لدرجة أن تضيق أسرّتنا علينا ولا يعود هناك متسعٌ حتى للنوم بأريحية.

تمضي السنوات وهي ذات العبارات تتردد على مسامعنا، وقبل أن تكون مجرد كلمات فهي قيود تُحجِّمنا وتلتف حولنا كي لا نتمدد ونكبر. قد يكون بعض هذه القيود طويلًا فتوهمنا بأننا أحرار ولكن في أول محاولةٍ لنا للطيران ستجرنا هذه القيود وتعيدنا لأسرّتنا الضيقة. 

البعض منا قد يرضين بهذه القيود لأنه قد تمت برمجتهن بأنها قيود تحميهن من غابة الحياة المليئة بالحيوانات المفترسة وأنهن فتيات ضعيفات غير قادرات على حماية أنفسهن. والبعض الأخر يحاول مرارًا وتكرارًا لكسر هذه القيود ولكن الخوف والسلطة المفروضة عليهن تجبرهن على الخضوع والقبول بهذه الحياة الذليلة. وخلاصة القول هنا أنه لا يمكننا أن نلوم أنفسنا أو الأخريات لعدم قدرتنا على الفرار والتحرر.

القيود كثيرة وعديدة وتشمل جوانب مختلفة في حياتنا كفتيات أو نساء، ابتداءً من أجسادنا وانتهاءً بأحلامنا ورغبتنا. ومن أهم وأبرز هذه القيود: هو شرف العائلة، فمنذ بداية تشكل الوعي لدينا كفتيات وهذه الكلمة لا تفارقنا ونسمعها تتردد في كثير من المواقف والأماكن والمناسبات وجميع الأصابع تشير إلينا نحن! نعم نحن وحدنا المسؤولات عن شرف العائلة الكريمة.

دائما ما كنت أتساءل كيف لي أنا وحدي أن أحمل شرف كل هؤلاء الذين يجمعني بهم فقط حبرعلى بعض الأوراق الرسمية ولنا نفس اسم العائلة؟ لماذا لا يحمل كلٌ منا شرفه ويحميه إذا كان هذا الشيء بهذه الأهمية للدرجةِ التي قد نُقتل لأجله نحن كفتيات لمجرد المساس بهذه الجوهرة العظيمة أو عدم الاهتمام بها كما تطلب العائلة ويطلب المجتمع!

معنى الشرف في اللغة (لغويًا) بسيط وبيّن فهو: “صفة تقييم مستوى الفرد في المجتمع، ومدى ثقة الناس به بناءً على أفعاله وتصرفاته، وأحيانًا نسبه، وفي تلك الحالة تصف مدى النبل الذي يتمتع به الفرد اجتماعيا.” 

أو “هو من الأخلاق الحميدة، كما يستدَل به على نقاء السريرة والأمانة المادية والأخلاقية، وأيضاً البعد عن الأفعال الآثمة أو التي يجرمها المجتمع، كالسرقة والاغتصاب والقتل والسلب والنهب، وإن كانت تختلف من مجتمع لآخر ومن ثقافة إلى أخرى.”

أما عن معناه الاصطلاحي في مجتمعاتنا، فالشرف لدينا يرتبط بمدى مطابقة فتيات ونساء العائلة للقواعد والأُطر الموضوعة لهن وعدم الخروج عنها، فالتي لا تتوافق وهذه القواعد تعتبر فتاة أو امرأة منحلة ومتمردة عن قانون الشرف، ويتطلب الأمر التدخل وتأديبها لتعود للصراط المستقيم.

وقد يُربط الشرف كذلك في مجتمعاتنا ببعض الخرافات التي ليس لها أي أساس علمي صحيح ومُدعّم؛ كغشاء البكارة والعذرية، وما يترتب عليها من ممارسات غير صحيحة علميًا كفحص العذرية وعمليات ترقيع غشاء البكارة.

غشاء البكارة (Hymen) ما هو إلا غشاء مخاطي رقيق جدا وهو من البقايا الجنينية لتطورالمهبل، وعادة ما يغطي هذا الغشاء جزءًا فقط من مفتحة المهبل وغالبًا يكون ذو شكل هلالي، ولكن هناك أشكال مختلفة لهذا الغشاء بين النساء. لذا نستطيع الإستناج بهذا التعريف البسيط جدا بأن هذا الغشاء في الأصل ليس بغشاء كامل أومحكم وأن به فتحة -أو عدة فتحات حسب شكل الغشاء- ليسهل على النساء خروج دم الدورة الشهرية.

وكذلك هناك حالات طبية تستدعي تدخلًا جراحيا في حالة إن كان الغشاء قد فشل في تكوين فتحاته أثناء المراحل الجنينية لنمو الفتاة، ويُعرف هذا النوع بغشاء البكارة المُصمت (Imperforate hymen).

جميع ما سبق يقودنا لحقيقة أن هذا الغشاء ما هو إلا جزء لا يحمل وظيفة حقيقية مهمة في أجسادنا لكن العائلة تمكنت من ربط شرفها به!وكذلك فإن منظمة الصحة العالمية قد منعت وحرمت ممارسة فحص العذرية لما فيه من انتهاك وتعدي على حرمة وخصوصية أجساد النساء وعدم أخلاقيته، وكذلك لانعدام فائدته في الممارسة الطبية.

بعد مجموعة الحقائق البسيطة هذه والمثبتة علميًا والتي لا تحتمل جدالًا ونقاشًا، أعود لأتساءل لماذا نجد شرف العائلة والقبيلة مرتبطًابهذا العضو الهش؟ ولما لا يكون شرف الفرد الواحد منا هو خُلقه وإنسانيته؟

وختامًا أشدد على أهمية الوعي ومحاربة هذه المفاهيم الرجعية، وتفكيك السلطة الأبوية المُمارسة على الفتيات والنساء والتي تجبرهن على الخوف والخضوع لهذه المعتقدات البالية وتعطي الحق لمن يمتلكون هذه السلطة من ذكور العائلة بأن يمارسوا عليهن جميع أنواع العنف والإهانة والتي قد تصل إلى الموت في كثيرٍ من الأحيان.


Hayv Kahraman

رهف ر.ع

1 comments

أضف تعليق