حدادٌ على شهيداتِ الغدرِ الذكوري

هذه الأغنية الفارسية المترجمة التي تنبض حزناً وتقطر وجعا، أشعرُ أنها تعبر عن واقعنا كنساءٍ عربيات. كأنما هي لسانُ حالِ أخواتنا شهيدات الغدر الذكوري اللواتي قضَين حسرة وكمدا.
وهي أيضاً لسان حالنا نحن اللواتي مازلنا ننتفّس خوفاً وهلعاً من عنفٍ قائم أو عنفٍ محتمل… نتوجّسُ خِيفةً من آبائنا وإخواننا وأزواجنا وأبنائنا وأقربائنا وجيراننا. وعلى قلق دائمٍ، نحسب كلَّ صيحةٍ علينا نخاف على أنفسنا من مصيرٍ كمصيرِ أخواتنا اللواتي سُرقتْ أعمارهنّ وخُطفنَ من أولادهنّ وأحبابهنّ.

أتابع أخبارَ المغدوراتِ المطعوناتِ بالسكاكين، المقذوفاتِ من الشرفات العالية، المضروباتِ حدَّ النزيفِ الداخلي المميت، المخنوقاتِ بمناديلِ رؤوسهنّ، مهشَّماتِ الرؤوسِ بطوب البناء، المثقوبةُ أجسادهنّ ورؤوسهنّ بالرصاص الملعون… أتابع أخبارهنّ وأخبارَ التواطؤ الذي ضيّع حقوقهنّ وأُمسكُ رأسي بقوةٍ بكلتا يديّ المرتجفتين في ذهولٍ خشيةَ أن يطير عقلي من هولِ ما أرى وأسمع. هذا جنون … جنون … جنونٌ خالص. قد توحّشتْ واستشرستْ أوطانُنا في وجوهنا !!
أتابع أخبار أخواتي شهيدات الغدر الذكوري فتطيرُ الطمأنينة من قلبي، ويجافي النومُ عينيّ، وتُصفّرُ ريحُ الموت تحتي على قلقٍ. أخشى على نفسي من الانجراف لدوّامة اكتئابٍ ووساوسِ انتحارٍ جديدة، فأعقدُ العزمَ على أنْ أسدّ أُذنيّ وأغمضَ عينيّ وألتهي بحياتي اليومية عن أخبار كل هذه الأوجاع المتجددة.

أعقدُ النّيةَ نعم، لكنني لا أفعل. لا أستطيع. لأنني أعلمُ أنني قد أكون الضحية التالية؛ شهيدة غدرٍ جديدة تُقدّمُ قرباناً على مذبحِ الأبوية الفاجرة.
أعلمُ أنني قد يُسفكُ دمي وما أملكُ لنفسي إلا أن ْ أصيحَ من قاعِ حزني وجُبّ يأسي:
” أيا أخواتي لا تنسينني! أنا ليلى واسمُ أمي ظبية وجدتي طيبة. اذكرن اسمي إن تنفّسَ صبحُ يومٍ وقد خُنِقتْ أنفاسي لِيُنعى فيه اسمي ويضم إلى قائمة أسماء أخواتي شهيدات الغدر الذكوري… تذكّرنني وذكّرنَ بي.”

يا وطننا الكبير أناديك من المحيط إلى الخليج
لا تُشح بوجهك عنا انظر إلينا نحن النساء قد هرمنا حزناً وبؤساً. وأخشى علينا من يأسٍ يجعلنا نكفر بك كما كفرت بنا وبحقوقنا. كفّر عن ذنوبك بحقنا، ولْتسعى طوافاً على قبور أخواتنا شهيدات الغدر الذكوري، صلِّ لأرواحهنّ وبلّغهنّ عنا السلام واسقي قبورهنّ من حُرِّ غمامك البارد، واغرس زهراً وياسميناً في ترابٍ يخنقُ جثامينهنّ، لعلّ رطوبة سيقانها ونداوة أوراقها تطفئ لظى عظامٍ تتقلّبُ غيظاً محرقاً… يصيحُ طالباً الثأرَ ممن سرق أنفاسهنّ. ثمّ انطلِقْ حين ينتصف الليل ولْتجوب الشوارع والحواري والأزقّة الضيّقة تحت جنح الظلام لتأخذ بثأرهنّ ممن قتل وممن تواطأ وممن برّر.
أدركنا يا وطنَ الحزنِ والقهر..
أدركنا……

بل أدرك نفسك وسارع للاعتراف بحقوقنا، وبأصالة إنسانيتنا الكاملة كنساء.
لا تحملني على الكُفرِ بك، أرجوك! أريد أن أرضع عيالي حبك وحب من أحبك. لا تُصعب علي هذه المهمة!
وفي انتظار اعترافك الكامل بأنوثتنا كاملة الإنسانية سأظل أغني بالصوت المبحوح المحزون:

موطني موطني .. الشباب لن يكلّ همه أن تستقلّ أو يبيد
نستقي من الرّدى ولن نكون للعِدى كالعبيد .. كالعبيد
لا نريد.. لا نريد ذلّنا المؤبداً وعيشنا المنكّداً
لا نريد .. بل نعيد مجدنا التّليد، مجدنا التليد
موطني موطني


ليلى ابنة ظبية

Hayv Kahraman

هامش:
• الأغنية الفارسية “أنا امرأة” من ترجمة
‏@shaimabachem على تويتر

1 comments

أضف تعليق